10خطوات عملية لترك الغيبة
أولا: أن تعلم ماهي الغيبة:
فكثيرا من الناس تجده يغتاب ويقع في أعراض الناس حتى الأموات منهم وإذا نهرته قال هذه ليست غيبة! هذه حقيقة....!
قال النبي صلى الله عليه وسلم:( أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا : الله ورسوله
أعلم . قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟
قال: إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته. وإن لم يكن فيه، فقد بهته)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:( من قال في مؤمن ما ليس فيه؛ أسكنه الله
ردغة الخبال، حتى يخرج مما قال.) ،[ردغة الخبال= عصارة أهل النار]
قال النووي:[ بما يكره سواء كان ذلك في بدن الشخص أو دينه أو دنياه أو
نفسه أو خَلقِه أو خُلُقِه أو ماله أو ولده أو زوجه أو خادمه أو ثوبه أو
حركته أو طلاقته أو عبوسته أو غير ذلك مما يتعلق به سواء ذكرته باللفظ أو
بالإشارة أو بالرمز..ومن الغيبة ذكر عيوب الناس كالقصر والطول والبخل وان
تقول هو مرائي متكبر ليس بارا بوالديه، حليق اللحية.... وأيضا من الغيبة
قولهم عند ذكر الشخص: الله يعافينا، الله يتوب علينا، نسأل الله السلامة
ونحو ذلك كل ذلك من الغيبة.
ومن الغيبة المُحرمة: المحاكاة:بأن يقول مثل قول الشخص المقصود أو يفعل
مثل فعله تحقيرا ًله كأن يمشي متعارجا أو مُطأطِياً رأسه أو غير ذلك من
الهيئات.]
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:( قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من
صفية كذا وكذا. قال بعض الرواة: تعني قصيرة: فقال: لقد قلت كلمة لو مزجت
بماء البحر لمزجته ! قالت: وحكيت له إنسانا فقال: ما أحب أني حكيت إنسانا
وإن لي كذا وكذا.)
(حكيت له انسانا= حكيت له (للنبي), انسانا=أي فعلت مثل فعله تحقيرا له
ما أحب أني حكيت إنسانا = أي ما يسرني أن أتحدث بعيبه أو ما يسرني أن أحاكيه بأن أفعل مثل فعله أو أقول مثل قوله على وجه التنقيص
وإن لي كذا وكذا = أي ولو أعطيت كذا وكذا من الدنيا أي شيئا كثيرا على ذلك.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه )
ثانيا: أن تعلم شناعتها وإثمها وأنها من كبائر الذنوب وسبب لعذاب القبر:
اسمع لقول الله عز وجل: { أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه } الحجرات12
قال النبي صلى الله عليه وسلم:( لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس ، يخمشون وجوههم وصدورهم ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟
قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ، ويقعون في أعراضهم . )
وعن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال:(كنا عند النبي فقام رجل فوقع
قيه رجل من بعده فقال النبي صلى الله عليه وسلم:( تخلل ! . فقال: ومما
أتخلل ؟ ما أكلت لحما ! قال : إنك أكلت لحم أخيك .)
*والغيبة سبب لعذاب القبر:
(أتى النبي على قبر يعذب صاحبه فقال: إن هذا كان يأكل لحوم الناس. .......)
*والغيبة من كبائر الذنوب فالذنوب إما كبائر وإما صغائر ، فالكبائر ما رتب
الشارع عليه حد في الدنيا أو توعد عليه في الآخرة أو لعن صاحبه أو رتب
عليه غضب ونحوه والصغائر ما عدا ذلك.واجتناب الكبائر سببا لتكفير الصغائر.
قال الله عز وجل:
{ إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما } النساء 31
والربا من الكبائر وقد قال الله عزوجل عنها:{ يأيها الذين ءامنوا اتقوا
الله وذروا ما بقي من الربوا إن كنتم مؤمنين* فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب
من الله ورسوله }البقرة 278 ، وقال عز وجل:
{ الذين يأكلون الربوا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس }البقرة 275
قال ابن كثير في تفسيره(آكل الربا لا يقوم من قبره يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه ويتخبط الشيطان به )
والوقوع بأعراض المسلمين من أربى الربا:
قال النبي صلى الله عليه وسلم:( الربا اثنان وسبعون بابا ، أدناها مثل
إتيان الرجل أمه ، وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه . )
استطالة = أي إطالة اللسان
عرض الرجل = نفسه وبدنه وقيل هو جانبه الذي يصونه من نفسه وحسبه وأسلافه ويحامي عليه أن ينتقص.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:( إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند
الله في الخطيئة من ست وثلاثين زنية يزنيها الرجل ، وإن أربى الربا عرض
الرجل المسلم .)
قال الحسن البصري: والله للغيبة أسرع في دين المسلم من الآكلة في جسد ابن آدم.
وقال سفيان الثوري: إياك والغيبة إياك والوقوع في الناس فيهلك دينك.
ثالثا: أن تعلم دوافع الغيبة لتتجنبها:
دوافع الغيبة( 11)_________8 ثمانية منها في حق العامة.
__________ 3 وثلاثة تختص بأهل الدين والخاصة.
أما الثمانية التي في حق العامة فهي:
(1)-أن يشفي الغيظ:
و منشأ الغيظ الغضب والغل وعدم القدرة على العفو
[أيسعدك أن تشفي غيظك وتهدي حسناتك لمن تبغظ ]
*قيل للحسن البصري إن فلانا اغتابك فأهدى إليه طبقا من رطب فأتاه الرجل
وقال له:اغتبتك فأهديت لي فقال الحسن أهديت لي حسناتك فأحببت أن أكافئك.
وعن المبارك قال لو كنت مغتابا أحدا لاغتبت والدي لأنهما أحق بحسناتي.
فإذا نال منك الغضب لأحد و أردت أن تغتابه وتقص ما يغيظك فامنع نفسك من
الغيبة واسكت وحاول أن تعفو عنه طاعة لله وطلبا لأجر العفو..واعلم أن
العفو راحة للقلب وطمأنينة للنفس. وله ثواب جزيل قال الله عز وجل: {
والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين }134 آل عمران
فإن لم تستطع العفو عنهم: اشتكِ لله وحده.نعم اشتكِ لله قل رب إني اشكوا
إليك فلان أشكو إليك فعله وما أصابني منه..فانه لا قوة إلا بك.
(2)-موافقة الأقران ومجاملة الرفقاء ومساعدتهم على الكلام:
فيظن انه لو أنكر عليهم استثقلوه ونفروا منه.
قال الله عز وجل: { وتخش الناس والله أحق ان تخشه }الاحزاب38
ويوم القيامة لن ينفعك أقرانك ولا أصحابك الذين جاريتهم في غيبتهم .
قال الله عز وجل: {يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصحبته وبنيه}عبس 36
ما يهمك رضا الله أم رضا أصحابك ؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم:( من التمس رضا الله بسخط الناس ؛ رضي الله
عنه ، وأرضى عنه الناس ، ومن التمس رضا الناس بسخط الله ، سخط الله عليه ،
وأسخط عليه الناس)
إذا واجهك هذا فحاول أولا نهيهم عن الغيبة وذكرهم بالله و ذب عن عرض أخيك
إن استطعت فإن لم ينتهوا فقم ودع مجلسهم، قال الله عز وجل:.
{ وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين } الأنعام 68
وقالعزوجل:{ إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطن تذكروا فإذا هم مبصرون }الاعراف201
وقال تعالى:{ خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين }الأعراف 199
(3)-اللعب والهزل والمطايبة وتمضية الوقت بالضحك:
فيذكر عيوب غيره بما يضحك الناس على سبيل المحاكاة وقد يكذب ليضحك المجلس
ومنشأ هذا التكبر والعجب. قال النبي صلي الله عليه وسلم:( إن الرجل ليتكلم
بالكلمة يضحك بها جلساءه يهوي بها أبعد من الثريا )
وقال صلى الله عليه وسلم:( ويل لمن يحدث فيكذب ؛ ليضحك به القوم ! ويل له ! ويل له ! .)
(4)-السخرية والاستهزاء فإن ذلك قد يجري في الحضور ويجري أيضا في الغيبة ومنشؤه التكبر واستصغارا للمستهزأ به:
قال الله عز وجل:{ يأيها الذين امنوا لا يسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خير منهم ولا نساء من نساء عسي أن يكن خيرا منهن }الحجرات 1
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم(لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا
ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخوانا ،
المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله ، ولا يحقره ، التقوى ههنا –
وأشار إلى صدره – بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على
المسلم حرام ، دمه ، وماله ، وعرضه)
[ لا تحاسدوا ] الحسد : تمني زوال النعمة وهو حرام،[ ولا تناجشوا ] أصل
النجش الختل : وهو الخداع،[ ولا تباغضوا ] أي لا تتعاطوا أسباب التباغض،
والتدابر : المعاداة وقيل المقاطعة لأن كل واحد يؤتى صاحبه دبره، وقوله:
[ ولا يبع بعضكم على بيع بعض ] معناه أن يقول لمن اشترى سلعة في مدة
الخيار : افسخ هذا البيع وأنا أبيعك مثله أو أجود بثمنه أو يكون
المتبايعان قد تقرر الثمن بينهما وتراضيا به ولم يبق إلا العقد فيزيد عليه
أو يعطيه بأنقص وهذا حرام بعد استقرار الثمن وأما قبل الرضى فليس بحرام
ومعنى:[ وكونوا عباد الله إخوانا ] أي تعاملوا وتعاشروا معاملة الإخوة
ومعاشرتهم في المودة والرفق والشفقة والملاطفة والتعاون في الخير مع صفاء
القلوب والنصيحة بكل حال
وعلاج هذا أن ينشغل الإنسان بعيوب نفسه
قال النبي صلي الله علية وسلم:( ليحجزك عن الناس ما تعلم من نفسك)
وقال علية الصلاة وسلام:( يبصر أحدكم القذى في عين أخيه و ينسى الجذع في عينه )
القذى =ما تقع في العين والماء والشراب من تراب ووسخ ونحوه
الجدع= واحد جذوع النخل.
وقال إبراهيم النخعي {أني لأري الشيء اكرهه فما يمنعني أن أتكلم به مخافة أن ابتلي بمثله }
(5)أن يُنسب إلي شيء فيريد أن يَتَبرأ منه فيذكر
فاعله، أو يذكر غيره بأنه مشاركاً له في الفعل ليلتمس بذلك عذرا لنفسه في
فعله، وكان من حقه أن يبرئ نفسه ولا يذكر فاعله:
ويحتاج لترك هذا أن يقوي شخصيته فإذا أخطأ قال أنا أخطأت وفعلت وكذا وأنا
اعتذر وأتحمل مسؤولية هذا وإذا كان ليس هو قال لست أنا وكفى.
(6) إرادة التصنع والمباهاة وهو أن يرفع نفسه بتنقيص غيره فيقول فلان جاهل وفهمه ركيك وكلامه ضعيف وغير ذلك:
ويكون منشأ هذا الغيرة من ذاك الشخص أو العجب بالنفس والكبر قال
النبي صلي الله عليه وسلم (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر
، قيل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ، و نعله حسنة ، قال : إن الله
جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق،وغمط الناس)
بطر الحق =دفعه ورده, غمط الناس =احتقارهم وازدراؤهم
(7)الحسد:
ويكون ذلك بأن يحسد من يثني عليه الناس ويحبونه ويكرمونه
فيريد زوال تلك النعمة عنه فلا يجد سبيلا لذلك إلا بالقدح فيه حتى تكف
الناس عن الثناء عليه.وهذا هو عين الحسد
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:( لا يجتمع في جوف عبد غبار في سبيل الله وفيح جهنم ، ولا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد)
وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم:( إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث،
ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا ، ولا تباغضوا ، وكونوا
عباد الله إخوانا )
و قال صلي الله عليه وسلم:( دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء،
والبغضاء هي الحالقة، أما إني لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين. )
(8)أن يستشعر من صاحبه أنه سيقصده وينال منه
بلسانه أو يشهد عليه بشهادة فيبادر هو أولا بغيبة صاحبه ذاك, ليسقط أثر
شهادته و يبتدئ بذكر ما فيه صادقا ليكذب عليه بعد فيروج كذبه بالصدق الأول
ويستشهد ويقول ما من عادتي الكذب فإني أخبركم كذا وكذا من أحواله:
ويدخل في هذا عدة نواهي:
•سوء الظن بصاحبك الذي اغتبته أنه سيقول عليك كذا وكذا
•الكذب
•الغيبة
وقال عز وجل عن الظن:{ يأيها الذين ءامنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم }الحجرات 12
فبدلا من ذلك اتق الله وكن علي الحق ولو عليك...وأصدق القول وأخلص النية
وأطب نفسك تطب لك الدنيا وتيسر لك الأمور حتى إنه ما تظن انه شر لك ينقلب
برحمه الله خيراً وبشرى
وأما الثلاثة دوافع التي تختص بالخواص وأهل الدين:
وهي أغمطها وأدقها لان شرور خباءها الشيطان في معرض الخيرات فهي خير
ولكن شاب الشيطان بها الشر:
1-أن تنبعث من الدين داعية التعجب فيقول ما أعجب ما رأيت من فلان !!فإنه
يكون صادقا ولكن يسهل الشيطان عليه ذكر اسمه في إظهار تعجبه فصار مغتابا
وآثما ...
2-الرحمة وهو أن يغتاب بسبب ما يبتلي به صاحبه فيقول مسكين فلان قد غمني
ما أصابه وما ابتلي به فيكون صادقا في دعوى الاغتمام ويلهيه الغم عن الحذر
من ذكر اسمه فيذكره
3-الغضب لله تعالي فإنه قد يغضب علي منكر ارتكبه إنسان إذا رآه أو سمعه
فيظهر غضبه ويذكر اسمه وكان الواجب أن يظهر غضبه عليه بالأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر ولا يظهره لغيره أو يستر اسمه ولا يذكره بالسوء,...
فكثير من الناس يظن إن التعجب والرحمة والغضب لله تعالي عذرًا يُسوّغ له
ذكر اسم فاعله والتسميع يه بين الناس وهذا خطأ .وأحيانا يذكر القصة دون
ذكر الاسم للعظة مثلا.وهذا لا باس به لاكن احيانا يصف الشخص حتى أن السامع
يعرفه وهو لم يذكر اسه مثال: أن يقول اعرف شخصا مزارعا, يملك كذا ,عنده من
الولد كذا,وكذا وحصل له كذا.....ويذكر القصة فالسامع يعلم الشخص من الوصف
رابعاً: التوبة من الغيبة:
لابد من التوبة من الغيبة لأنها من كبائر الذنوب, وخطر الغيبة من وجهين:
1-انها متعلقة بحقوق العباد
2-انها معصية سهله ينقاد إليها غالب الناس إلا من رحم الله والشيء السهل يحسبه الناس في العادة هينا وهو عند الله عظيم .
قال أبو عاصم النبيل ما اغتبت مسلما منذ علمت أن الله حرم الغيبة
* وشروط التوبة :
1.الندم: قال صلى الله عليه وسلم:( الندم توبة)
2.أن يقلع عن الذنب
3.والعزم على عدم العودة
* وكفارة الغيبة على قولان لأهل العلم :
•ذهب بعض أهل العلم من السلف الصالحين بوجوب التحلل من المغتاب بأن يذهب اليه ويطلب منه الصفح ويعتذر إليه.
•رخص أكثر أهل العلم في ترك التحلل ورجوا أن يكفي في ذلك الاستغفار
للمغتاب وذكر محاسن ما فيه في المواطن التي اغتابه فيها وهذا اختيار شيخ
الإسلام ابن تيمية رحمه الله لأنه قد يؤدي التحلل من المغتاب إلى مفسدة
أعظم فيوغر الصدور ويحمل القلوب الأحقاد والأضغان.
قال الحسن البصري (كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته ).
فتقول مثلا:اللهم اغفر لي ولمن اغتبت وأسأت ولابد من أن تخلص الدعاء
والمقصد من الاستغفار هو دفع السيئة بالحسنة ومقابلتها بها ويمكن أن تعمل
عملا صالحا ويكون ثوابه مقدما لمن اغتبته كأن تتصدق عليه،أو تقدم له
المساعدة، كذلك الدعاء له والثناء عليه وان تذكره بخير في نفس المجالس
التي اغتبته فيها.
فمن قال بالرأي الأول وهو وجوب التحلل من المغتاب جعل الغيبة كالحقوق
المالية والفرق بينهما ظاهر فالحقوق المالية ينتفع بها المظلوم وأما
الغيبة فلا ينتفع المغتاب بذلك بل على العكس فإن ذلك يوغر الصدور ولعله
يهيج عداوته فلا يصفو له أبدا ومدار الشريعة على تعطيل المفاسد وتقليلها
لا على تحصيلها وتكميلها، والله اعلم
خامسا: الوقاية من الغيبة:
ويكون ذلك بثلاثة أمور:
*أولهم:الصمت فالصمت هو المضاد القوي للغيبة قال النبي صلى الله عليه وسلم (من صمت نجا).
*ثانيهم: الانشغال بما ينفع بتلاوة القرآن والتسبيح والتهليل والذِكر عموما.
*ثالثهم:أن تفكر قبل ان تتكلم ...فكر بالكلمة مرارا أفيها خير ؟؟؟وإلا فاسكت فكل ما تقول يكتب لك أوعليك.
قال الله عز وجل:{ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد }18سورة ق
وقال ابن كثير لشرحه لهذه الآية يكتب كل ما تكلم به من خيرا أو شر حتى انه
ليكتب قوله (أكلت ,شربت, ذهبت, رأيت) حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله
وعمله فأقر منه ما كان فيه خيرا أو شرا وألقِيَ سائِره.
وسئل معاذ النبي صلى الله عليه وسلم قال (يارسول الله أكل ما نتكلم به
يكتب علينا؟ قال: ثكلتك أمك وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد
ألسنتهم إنك لن تزال
سالما ما سكت فإذا تكلمت كتب لك أو عليك )
وذكر عن الإمام أحمد أنه كان يئِن في مرضه فبلغه عن طاووس انه قال: يكتب
الملك كل شيء حتى الأنين فلم يئِن حتى مات رحمه الله. قال النبي صلى الله
عليه وسلم:( إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يظن إن تبلغ ما بلغت يهوي بها
سبعين خريفا في النار )
و قال صلى الله عليه وسلم(أكثر خطايا ابن آدم في لسانه .)
وإذا أراد المسلم طريق الاستقامة والثبات عليها عليه بحفظ لسانه وحساب
كلماته فكم من عثرات وزلات وخطايا كان سببها اللسان,كن قليل الكلام كثير
الصمت وأعرض عن اللغو فهو مزلاق للغيبة,كم من كلمة لاخير فيها ولا فائدة
منها جَرت غيبة محرمة. وقد قِيل في تعريف اللغو ( إذا كان الأمر يعبر عنه
بكلمتين تكون الثالثة لغوًا).
قال ابن المبارك:
وإذا هممت بالنطق بالباطل... فاجعل مكانه تسبيحا
فاغتنام السكوت أفضل من..... خوض وإن كنت في الحديث فصيحا
وقال الحسن البصري (ما حفظ دينه من لم يحفظ لسانه)
وقال ابن الوردي(والله لترك الغيبة عندي أحب إلى من أتصدق بجبل من ذهب)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:( من يضمن لي ما بين لحييه، و ما بين رجليه، أضمن له الجنة)
*مابين لحييه=المراد اللسان
*مابين رجليه=هو الفرج
*قُتل رجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم:فبكت عليه باكية فقالت وا
شهيداه ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم(ما يدريك أنه شهيد؟! لعله كان
يتكلم فيما لا يعنيه ، أو يبخل بما لا ينقصه)
وقال صلى الله عليه وسلم:( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)
وقال الحسن البصري:من علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه.
وقال معروف رحمه الله:كلام العبد فيما لا يعنيه خُذلان من الله عز وجل.
وقال سهل رحمه الله:من تكلم فيما لا يعنيه حُرم الصدق.
سادسا: أن تحاسب نفسك وتعاقبها:
قال حرملة سمعت رسول ابن وهب يقول: نذرت أني كلما اغتبت إنسانا أن
أصوم يوما فأجهدني فكنت اغتاب وأصوم فنويت أني كلما اغتبت إنسانا أن أتصدق
بدرهم فمن حب الدراهم تركت الغيبة.
سابعا: إذا كنت بمجلس وبدأت الغيبة:
*انهاهم عن الغيبة
*وذب عن عرض أخيك المسلم..فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم(من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة)
وقال(من نصر أخاه المسلم بالغيب؛ نصره الله في الدنيا والآخرة.)
*فإن لم ينتهوا عن ذلك فقم واترك مجلسهم.
قال القرطبي:فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر
فإن لم يقدرعلى النكير فينبغي أن يقوم عنهم فمستمع الغيبة والمغتاب شريكان
..
فكما يحرم على المغتاب الغيبة يحرم على السامع استماعها وإقرارها ..وقال
الغزالي:(المستمع لا يخرج من الإثم إلا أن ينكر بلسانه أو بقلبه إن خاف
وان قدر على القيام أو قطع الكلام بكلام آخر، وإن قال بلسانه اسكت وهو
مشته لذلك بقلبه فذلك نفاق ولا يخرجه من الإثم ما لم يكرهه بقلبه ولا يكفي
في ذلك أن يشير باليد أي اسكت أو يشير بحاجبيه وجبينه فإن ذلك استحقارا
للمذكور، بل ينبغي أن يعظم ذلك ويذب عن المغتاب)
ثامنا:أن نبدل مجالسنا من مجالس غيبة ولهو وكلام لا فائدة منه إلى مجالس خير وذكر وموعظة:
كل على قدرعلمه نتكلم بما ينفعنا في ديننا و دنيانا.
قال النبي صلى الله عليه وسلم :( ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله تعالى
فيه ، و لم يصلوا على نبيهم ، إلا كان عليهم تِرة ، فإن شاء عذبهم ، و إن
شاء غفر لهم)
إلا كان =أي ذلك المجلس
عليهم تِرة=معاتبة أو حسرة ونقصانا ..من وتِره حقه نقصه ,وهو سبب الحسرة .
ومنه قوله تعالى:{ لن يتركم اعمالكم }35 سورة محمد ، أي لن يحبطها ويبطلها ولا ينقصكم منها شيئا بل يوفيكم ثوابها.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة
أحاسنكم أخلاقا، وإن من أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون
والمتشدقون والمتفيهقون، قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارين
والمتشدقين فما المتفيهقون ؟ قال : المتكبرون )
الثرثارون:الذين يكثرون الكلام فإذا جلس في المجلس أخذ الكلام عن غيره
وصار يتكلم كأن لم يكن في المجلس إلا هو يتكلم ولا يدع غيره يتكلم وهذا
لاشك انه نوع من الكبرياء .لكن لو فرضنا أن أهل المجلس فوضوه وقالوا اعطنا
نصيحة أو موعظة فلا حرج.
المتشدقون:المتشدق هو الذي يتكلم بملء فمه وكأنه أفصح العرب أي تكلف
الفصاحة والتصنع ومن ذلك من يتكلم باللغة العربية أمام العامة فالعامة لا
يعلمون اللغة العربية فلو تكلمت بينهم باللغة العربية وتأتي بكلمات غريبة
تشكل عليهم لعدو ذلك من باب التشدق في الكلام والتنطع أما إذا كان درس
لطلبة علم فينبغي أن تكلمهم باللغة العربية لتعودهم بها.
المتفيهقون:فقد وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بالمتكبرين, المتكبر الذي يتكبر على الناس ويتفيهق.
وينبغي على الإنسان أن يعلم قدر نفسه ويتواضع لله حتى ولو انعم الله عليه بمال أو علم..فيكون ذلك سببا لزوال النعمة والعياذ بالله.
كذلك كثر في مجالسنا ألمراء والجدال والكذب,قال النبي صلى الله عليه
وسلم:( أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك ألمراء و إن كان محقا ، و بيت
في وسط الجنة لمن ترك الكذب و إن كان مازحا ، و بيت في أعلى الجنة لمن حسن
خلقه )
*زعيم=ضامن وكفيل
*ربض الجنة=أي خارجا عنها تشبيها بالأبنية التي تكون حول المدن،
*ألمراء=الجدال
فأحسن اختيار الألفاظ وانتقائِها يرعاك الله....قال الله تعالى:{ وقل
لعبادي يقولوا التي هى احسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان
عدوا مبينا }الاسراء53
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)
تاسعا: كفارة المجلس:
ونختم به مجلسنا هذا :(سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك).
عاشرا: إعف عن كل من اغتابك:
فما ترجو؟؟؟ الست ترجو عفوا الله ومغفرته لك!!
قال الله عز وجل: { وليعفو وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم } النور 22
اللهم إني تصدقت بعِرضي على الناس وعفوت عن من ظلمني فمن شتمني أو ظلمني فهو في حِل.
مصدر تحقيق الأحاديث:موقع الدرر السنية